هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فتوى تحريم الفدرالية: عمق في التكفير وعقم في التفكير/ ج2

اذهب الى الأسفل

فتوى تحريم الفدرالية: عمق في التكفير وعقم في التفكير/ ج2  Empty فتوى تحريم الفدرالية: عمق في التكفير وعقم في التفكير/ ج2

مُساهمة من طرف عبد الله الدليمي الثلاثاء 6 سبتمبر - 16:29



بقلم: عبد الله الدليمي

بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد...

في الجزء الأول، استعرضت الإفتراضين الأول والثاني، مع ما تضمناه من تساؤلات. وفي هذا الجزء، سأتطرق - بإذن الله - الى الإفتراض الثالث وما يتضمنه من تساؤلات:

الإفتراض الثالث: الفدرالية هي التقسيم تماما

يقول الشيخ: "... أن التقسيم للعراق طائفياً أو جغرافياً تحت أية ذريعة ومسمى حرام شرعاً مخالف للنصوص القطعية التي تدعو إلى الوحدة وعدم التجزئة خصوصاً حين يكون بدفع سياسي من عدوٍ لله ورسوله وللمسلمين."

السؤال السابع: أين هذه النصوص القطعية؟ لماذا لم يذكرها لكي تكون الأمور واضحة لمتلقي الفتوى على اعتبار أنهم ليسوا متساوين في العلم والفهم؟ ولعل من أبرز الأدلة القطعية التي يقصدها الشيخ، إن لم يكن إبرزها، قوله تعالى: " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا..." وهنا يأتي....

السؤال الثامن: اذا أخذنا أي معنى من معاني "حبل الله" التي نجدها في كتب التفاسير، وهي: (الجماعة، دين الله، عهد الله، القرآن، الخ)... فهل الشيعة - الذين يحرم الشيخ الانفصال عنهم- يؤمنون بحبل الله بأيٍ من هذه المعاني؟ وإذا استقرأنا التاريخ وقرأنا مصادرنا ومصادرهم، ونظرنا الى واقعنا اليوم، فهل سنجد أن للشيعة عهدا او حرصا على جماعة او دين؟ بل حتى كتاب الله نفسه، والذي هو حبل الله المتين (كما ذهب قتادة والسدي وابن مسعود)، هل هم يؤمنون به نصا ومضمونا؟ ألم يؤلف النوري الطبرسي - أحد أعمدة الدين الشيعي - كتابا ضخما أسماه: "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب"؟ ومن يدعي أن هذا العالم من المتقدمين ولا يمثل المتأخرين، فله علي أن أشبعه أدلة تدحض هذا الإدعاء.

السؤال التاسع: أيهما أدعى لفحظ دين أهل السنة (الذين هم المسلمون حقا): الإنفصال عن غيرهم - أرضا وعقيدة وثقافة وتاريخا وحاضرا ومصيرا – أم اختلاطهم مع من لا يرقبون فيهم إلا ولا ذمة ويتقربون "الى الله" بقتلهم ونهب أموالهم وإحراق مساجدهم واغتصاب نسائهم ورجالهم؟ هل الشيخ غافل عن حقيقة استهداف الشيعة للمسلمين في العراق على أساس عقائدي وبتحريك فتاوى تكفيرية دموية تشحنهم بكل هذا الكم من الأحقاد والثارات؟ ألا يرى الشيخ أن المد الشيعي قد بدأ يجرف مدن أهل السنة قاضما الأرض ومذيبا العقيدة ومذهبا بكل ما تبقى من أخلاقنا وثوابتنا؟ هل يريدنا أن ننسلخ من عقيدتنا ونباد جهارا نهارا ونسكت من أجل "الوطن" الذي ابتلعه الشيعة ولم يبق لنا الا "الوطنية" التي نذبح اليوم على مذبحها وندفع دماءنا وأعراضنا ومصير أجيالنا ثمنا باهضا لها؟

إن التمسك بالجماعة أمر محمود من حيث العموم ، لكن على ألا يؤخذ على إطلاقه دون تخصيص أو تفصيل حسب الحالات والمواقف. ففي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة كثير من النصوص التي تحثنا على التزام الجماعة. لكن لو كان في الجماعة من يطعن في كتاب الله وفي صحابة رسوله الذين زكاهم في نصوص قرآنية كثيرة، ويطعن في عرض زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فهل يصح أن نجاملهم ونبقى متمسكين بصحبتهم تحت ذريعة "الوطن والوطنية"؟ ألم يأمرنا الله بقوله: " وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ "؟
عندما ضيقت قريش على النبي صلى الله عليه وسلم -مع أتباعه المؤمنين- وسامتهم سوء العذاب جسديا ومعنويا، هاجر برفاقه من مكة – أحب البقاع إليه- الى المدينة فاراً بدينه ودين أصحابه وحياتهم - رضي الله عنهم - وهناك أرسى دولة الإسلام، ومن هناك عاد الى مكة فاتحا منتصرا.

ان النبي صلى الله عليه وسلم، في ظل تلك الظروف المشابهة لظروفنا اليوم تقريبا، لم يتشبث بوطنيته أو قوميته على حساب عقيدته، ولم يأمر أصحابه بمداهنة إخوانهم وأبناء عمومتهم (بل حتى آباءهم) من كفار قريش والتعايش معهم بحجة أنهم "شركاء الوطن"، بل ولم يدعُ الى تقسيم مكة بين مسلمين وكفار أو الى تشكيل "إقليم إسلامي" ضمن الرقعة الجغرافية لمكة.. لا... وانما ترك وأصحابه لهم مكة بما فيها تاركين وراء ظهورهم أرضهم وبيوتهم وأملاكهم- نجاة بدينهم وأرواحهم.. ليعودوا اليها بعد حينٍ فاتحين، بعد أن أرسوا دعائم الدولة الإسلامية وحافظوا على بيضتها في المدينة المنورة.

وأنا هنا - يا شيخي الفاضل – لا أدعو أهل السنة ليهجروا العراق الى غيره من الدول حفاظا على دينهم وأرواحهم ثم ليعودوا اليه فاتحين.. وإنما أدعوهم ليبقوا في وطنهم، لكن بما يحفظ لهم دينهم وأرواحهم وأعراضهم وكرامتهم وحقوقهم، وفتواك هذه لا تساعدهم على ذلك أبدا.

ثم يقول الشيخ: "نصيحتي إلى اللذين يتبنون مشروع التقسيم أقول لهم :- كفاكم إثماً ما اكتسبتموه من تأييدكم للمحتل حينما كنتم وراء نجاحه في احتلال العراق فعملتم تحت إمرته وقيادته وأقررتم دستوره الفاسد ووقعتم معه الاتفاقيات..."
وهذا الكلام خطير جدا، لأنه بعد أن لوى الشيخ معنى "الفدرالية" لتكون "تقسيما" رغماً عن أنفها، حكم على المنادين بها جميعا بالردة دون تمييز بين حَسِن النية وسيئها، من خلال اتهامه لهم بتأييد المحتل والعمل تحت إمرته. وإن كان عذره في هذا أنه يقصد فئة معينة ممن أيد المحتل وأعانه فعلا، فلماذا لم يبين ذلك تحديدا دون إطلاق وتعميم؟

السؤال العاشر: (الذي سيكون لغويا هذه المرة):

قبل أن اطرح السؤال، أود تسليط الضوء على بعض الأخطاء اللغوية التي وردت في فقرة واحدة، وهي الفقرة الثانية من الفتوى، مع تعليقاتي عليها. فمما قاله الشيخ في فتواه:

1- " نصيحتي إلى اللذين يتبنون مشروع التقسيم أقول لهم"..
تعليق: خطآن في كلمتين متتابعتين: يجب أن يقول: نصيحتي "لـ "، وليس "الى"// "اللذين": الصحيح "الذين".

2- "... وأصبح العراق دولياً من أوائل الدول الأكثر فساداً."
تعليق: هذه الجملة ركيكة جدا في صياغتها، وهي لا تصلح أن تكون في نص فتوى تصدر في مثل هذا الشأن الجلل.

3- في الجملة التالية خطآن لغويان، احدهما املائي، والثاني إعرابي:
"...ولقد آن الأوان لأن يرعوي هؤلاء ويؤبوا إلى رشدهم ويتوبوا إلى الله ويستغفرونه ..."
والخطآن هما:
- ويؤبوا: (الصحيح: يؤوبوا)
- ويستغفرونه: (الصحيح: "ويستغفروه"، لأن الفعل المضارع في "يستغفرونه"، وهو من الأفعال الخمسة، مسبوق بـ "أن" الناصبة، والأفعال الخمسة تنصب بحذف النون. فهو معطوف على "يرعوي، يؤوبوا، يتوبوا" وبالتالي يجب أن يأخذ نفس الحكم.)"
والسؤال هنا هو: أليست الدقة اللغوية أمرا ضروريا في الفتيا؟

والفتوى هذه منشورة على موقع رسمي تابع له (تقريبا)، وحتى لو كانت هذه الأخطاء طباعية أو من قبل شخص آخر كتبها أو نشرها، فعلى الشيخ تحمل مسؤولية ما يرد فيها من أخطاء لأنها منشورة باسمه وتحت صورته على موقع الأمة الوسط.

وقال أيضا: "أؤيد تأييداً مطلقاً ما ذهب إليه أستاذنا العلامة الدكتور الشيخ عبدالكريم زيدان إذْ أجاب: بأن ذلك يعد منكراً تجب إزالته وعدم مساعدة من يعمل له لا بالقول ولا بالعمل ولا بالتأييد ولا بالمدح وأنه يجب مقاطعته وهجره، وأن الداعي إلى ذلك يعزر وقد يصل تعزيره إلى حد القتل." وهنا يأتي...

السؤال الحادي عشر: أين هي فتوى الدكتور عبد الكريم زيدان؟ أليس حريا بمثل هذه الفتوى - التي تخص أمرا مهما كهذا - أن تنشر بكاملها على موقع الكتروني واحد على الأقل؟ كل ما وجدته على الشبكة المعلوماتية هو رابط لموقع (الهيئة نت) يتضمن حوارا مع الدكتور عبد الكريم، سئل فيه عن الفدرالية، فقال: "هذه باطلة وتقسيم لأرض العراق والإسلام يأمر بتوحيد بلاد الإسلام وليس تقسيمها".. وما ورد في مقالي هذا ينطبق على هذا الجواب جملة وتفصيلا، مع فائق احترامي وتقديري للشيخ الدكتور زيدان.

السؤال الثاني عشر: تنص القاعدة الفقهية على أن "الحكم على الشيء فرع عن تصوره"، فهل حصل هذا التصور بشكل كامل قبل اصدار هذه الفتوى؟ وهل ينكر الشيخ بأن هناك من طالبي الفتوى من يسأل المفتي بطريقة تنتزع الإجابة انتزاعا من فمه بما يتوافق مع فهم أو هوى السائل وليس مع واقع ما سأل عنه؟ ولذلك يجب على المفتي أن يكلف نفسه دراسة حيثيات الأمر المسؤول عنه بعمق لتأتي فتواه متوافقة مع الواقع.

وختم الشيخ فتواه بقوله: وما توصل إليه أستاذنا (الدكتور عبد الكريم زيدان) وأفتى به هو عين الصواب وهو الذي يتماشى مع النصوص الشرعية والمصلحة العامة لوحدة العراق من أقصاه إلى أقصاه." وهنا يأتي....

السؤال الثالث عشر: هل المصلحة العامة لوحدة العراق فوق عقيدة أهل السنة التي تتعرض اليوم لأبشع هجمة لمحوها وإبادة معتنقيها؟ أليس حق الدين مقدما على حق الوطن يا شيخنا الفاضل؟ وهل سيحاسبنا الله يوم القيامة على ديننا أم على وطننا؟
السؤال الرابع عشر: يؤكد الشيخ حرصه على "المصلحة العامة لوحدة العراق من أقصاه إلى أقصاه"، ونحن مع وحدة العراق وكل العالم الإسلامي ما لم تكن على حساب عقيدتنا وأرواحنا وكرامتنا، لكني أسأله: أليس "أقصى" العراق الشمالي اليوم إقليما، بل دولة داخل الدولة؟ فهل سيصل تعزيركم إياهم إلى حد قتلهم؟ لا أدري كم سيستغرق سيوفكم قتل هؤلاء الملايين من الأكراد المساكين.... "رحمهم الله" وأسكنهم فسيح جناته! ولك الله يا عراقنا المسكين.. ما أكثر علماءك وما أقل فقهاءك!
إن اللامركزية السياسية "الفدرالية" (التي هي تقاسم وليست تقسيما)هي ما نحتاجه اليوم لأنها مظنة أن تتمع المحافظات بحق مشاركة حكومة المركز بإدارة نفسها بدلا من سياسة الإملاءات القسرية والتعسفية التي تمارسها الحكومة المركزية الفاسدة في كل المجالات. فهي وسيلة للحد من ظلم حكومة المركز، خاصة إن كانت تمثل طائفة على حساب طائفة أخرى كما هو الحال اليوم.

إن إقليما يضم المحافظات السنية الأربع سيكوّن كتلة تشكل نصف العراق أو يزيد، وسيتمتع بكافة سبل القوة والمنعة، وعليه يعول بإذن الله في توحيد العراق وتقويته من جديد. وهذا هو المشروع الذي يمكن أن يعيد للسنة هويتهم وكيانهم وحقوقهم إن شاء الله، وليس الخطب والفتاوي والتغني بالوطنية الجوفاء على حساب الدين.

أظن ان الشيخ من أصحاب الرأي القائل بأن ما يحدث في العراق اليوم من فساد وانتهاكات وجرائم هو من صنع الحكومة التي جاء بها المحتل، والتي ستزول بزواله. وهذا القول بحاجة الى إعادة نظر بشكل عاجل، لإن المحتل قد أسس لنظام سياسي متكامل ذي مؤسسات وجيش وقوات أمنية ومخابراتية ومليشيات وأحزاب وكتل وبرامج طائفية، وأطلق يد إيران في كل صغيرة وكبيرة في مفاصل الدولة التي يتولى الجنرال الإيراني قاسم سليماني قيادتها الفعلية. وبالتالي مخطئ من يظن أن الفساد حالة عارضة مؤقتة مرتبطة بالمحتل أو أن الحكومة الطائفية ستخرج مع المحتل وكأنها خيمة يلفها ويضعها في جوف مدرعة عند انسحابه.
ختاما أقول: الفدرالية مشروع ينطوي على مصالح كثيرة لأهل السنة، وهي اضطرار لا اختيار، وهي ليست أفضل الحلول، لكن ما لا يدرك كله لا يترك جله. فمن كان لديه مشروع بديل يخدم أهل السنة ويحافظ على عقيدتهم وثوابتهم وأرواحهم فليتفضل وإلا فليترجل مشكورا مأجورا تاركا المكان لغيره، فلعن الظلام لا يزيحه حتى لو طال هذا اللعن قرونا.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله

عبد الله الدليمي
عضو جديد

ذكر عدد الرسائل : 4
تاريخ التسجيل : 05/09/2011

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى